الأحد، ١٤ يونيو ٢٠٠٩

لأنك لم تأت بعد


رسالة اليك ،اكتبها هنا بين صفحاتي و لا ارسلها و ذلك لأنك لم تأت بعد ، اعلم ان الأمر ليس بيدك و ان الامر موعد، قد كتبه الله في صحيفة القدر ، كتب فيه متي و كيف و اين ، اعلم انك ربما تعاني الآن ايضا انني لم آت بعد ، و لكني لا اخشي تأخرك و لا من هن من حولك الآن ، لا اخشي انك ربما كنت تسعي في هذه اللحظة لأخري، تفكر فيها او تحلم بها و تظنها انا، لا اخشي من كل من هن حولك يحاولن استمالتك من تنجح من هن و من تفشل ، لأنك في آخر الامر ملكي و لي ، حقيقة اعرفها من قبل ان اعرفك فلا اخاف ، لكني اخاف من امر آخر ، اخاف ان اتغير من جراء ما يحدث لأنك لم تأت بعد، اخاف ان تأت فأكون (أنا) اخري ، اقل عطاء ، مثقلة بجراحي ،
اراني في انتظارك اتبدل ، و اضع اسوار و اسوا ر حول قلبي و اخشي عندما تأتيه ألا تقوي علي اقتحامه، كنت ارقبك من نافذة القلب الوحيدة ، ارقب دخولك فنائي ، فاري عابر سبيل مار من بعيد ، فيفرح القلب يظنه انت فأعلق الزينات في استقبالك و املأ الحائط بصورك كما ظننتك ، فإذا به غيرك، مجرد عابر سبيل ، دفعه الفضول للمرور جوار قلبي ، فأنزل الزينات و القي بالصور و البث اياما كالسنين في حزني ، بعضها علي امل انه حقا انت و سيعود و اخري في تناسي الأمر و تقبله ، ثم اخشي علي القلب حدث مماثل و احمد الله انه لم يدخله ، ذلك البيت الذي لن يحوي سواك، و اعقد العزم علي حماية قلبي ، فأبني سورا حول البناء، و تتوالي محاولات الاقتحام و تتوالي الجروح و يزداد الحصن قوة ، و ازداد انا صلابة ، صرت اسكن منزلا يحيطه سور من السلك الشائك و مغلقة ابوابه و نوافذه ، اشفق عليك من العناء الذي ستتكبده و اخشي ان ازداد خشونة و صلابة حتي اصير لا استحق منك العناء ،كنت اراك بعين الخيال و انا اعد تحصيناتي، تحاول ان تعبر السور الشائك و قلبي يتمزق لمجرد خاطر انك ربما تجرح ،فاوشك ان اوقف التحصينات ثم اتذكر اوجاع قلبي و يدفعني الخوف ان اكمل ما بدأت ، يزداد السور ارتفاعا فافكر فيك عندما تحاول ان تعبره ثم اذكر آلامي فاكمل قبل ان اتوقف ، فعذرا إن احتاج الأمر مجهود و ثق انني ادعو الله ان يعطيك من القوة علي قلبي ما يجعلك تهدم كل الحصون بدربة قدم ، و ها انا اعتذر منك من قبل ذنب قد اقترفه في حقك ، فإذا رأيت مني تشكك فيك او في نجاحنا ، إذا رأيت مني مقاومة ، فاعلم انني انما اخشي علي قلبي جرح جديد و اعلم انني لن ادخلك قلبي و حياتي بسهولة ، لأني سأظل طويلا اخشي ان تكون آخر من اولئك الذي حمدت الله كثير ان احدا منهم لم يدخل حتي تظل انت الأول ، لذلك التمس منك العذر إذا ما وجدت مني ما تكره و ادعو الله ان تأتي قريبا من قبل ان اتغير ، فإذا رأيت في عيني إنكسار أو دمعة توشك علي الإنحسار ، فلا تدعها تبعدك و اقتحم حصوني بقوة و بسالة و تحمل فإنك إن فعلت لن تجد مني إلا كل حب و عطاء ، و ستجدني استحق منك العناء فالقلب من الداخل مازال رحب و إن كان يحتاج لنور يبدد ما فيه من ظلام و رياح رقيقة تحرك فيه الهواء ، فأدخل بنورك و نسيمك إذا رأيت في عيني من خلف بريق الدموع ، بريق الاستجابة و اعلم ان هذا الدمع زائل و انه فقط لأنك لم تأت بعد ....

الثلاثاء، ٦ يناير ٢٠٠٩

إهتزازات



-->
و ظللت اصرخ و الدماء من حولي في كل مكان ، وذلك الألم الحارق يمزق احشائي لا يريد ان ينتهي، و الضوء الساطع يرهقني و لا يرحم عيني ، و يزيدني ذعرا شعور الاختناق، هكذا انتهي بي الحال او لعله بدء ، و لكن اذكر بداية قبل ذلك ، اذكر كيف بدء كل شئ، كنت في الماء كعادتي مستمتعا بالهدوء و الظلام ، مسترخيا حيث انا ، متلذذا بوحدتي ، كنت قد انتهيت لتوي من الطعام و تهيأت للنوم قليلا عندما شعرت بهزة عنيفة ، كانت هزة سريعة ، خاطفة ، حتي تساءلت إن كنت اتوهم ، انتبهت من غفلتي و اخذت ابحث بعيني فيما حولي فلم اجد سوي الظلام المحبب المألوف و لم اسمع إلا صوت الهدوء ، وازداد شكي في حدوث الامر و اقتناعي انني كنت احلم ، ثم ما ان عدت لاسترخائي حتي عادت الاهتزازات بأعنف مما كانت عليه ، لم استطع ان انكر الامر هذه المرة و اجتاح الرعب قلبي، ، لست ممن يرهبون الزلازل بشكل فوق المعتاد او هكذا اظن نفسي ، و لكن ما ادخل الرعب الي قلبي لم يكن الاهتزاز ، بل ذلك المشهد الذي جعلني ادعو الله من كل قلبي ان استيقظ فأجد ان الامر مجرد كابوس فظيع ، لقد كانت السماء من فوقي تنخفض مع كل اهتزاز ، بل كنت اشعر ان العالم من حولي يتضائل و يكان ينطبق علي و من حولي، هل يمكن ان يحدث ذلك ، هل ينهار عالمي و تقتلني انقاضه ؟
ازدادت ضربات قلبي سرعة و خاصة مع عودة الهدوء ، لقد اصبحت املك _و لو مؤقتا_ رفاهية ان ينتابني الذعر قبل عودة الاهتزازات ، و ها هو الهدوء الذي كان مصدر اماني يصبح اشبه بالنذير ، الهدوء الذي يسبق العاصفة ، و ها انا طافيا اشحذ كل حواسي علي احدد مصدر الخطر القادم فلا يباغتني كما سبق ، و ها هو الاهتزاز الثالث و ها هو الماء من حولي يتناقص و اجدني في دوامة صغيرة و السماء تنطبق من جديد ، يا إله اجعله حلما !!!!!
و ازدادت الاهتزازات ، سرعة و قوة ، و كسر الصمت المميت صرخات مميتة ، لا اعرف مصدرها و لا اري صاحبها ، صرخات رفيعة حادة ، تأتيني من الاعماق !!!!!!!!!!!!!!
اخذت اتلفت من حولي كالمجنون لا اري سوي الظلام و تحطم الصرخات اعصابي و تزلزل الاهتزازات كياني ، نظرت الي العماق فإذا بضوء يأتي من هناك ، ربما في هذا الخلاص ، كهذا فكرت و لكن الصرخات ايضا تأتي من هناك ، يا إله ماذا افعل ؟
استجمعت شجاعتي وقررت ان اخاطر ، اذا كانت حياتي قد شارفت علي الانتهاء فليكن ذلك و انا اعرف سبب موتي فهذا افضل من الموت ذعرا ، و هكذا غصت في الاعماق بحثا عن مصدر الضوء ، فإذا بيد بيضاء عملاقة تأتي من هناك و تحكم قبضتها حول رأسي حاولت ان اتراجع او اهرب و لكن دون جدوي ، صرخت فلم اسمع صرخاتي و جائتني الصرخات الرفيعة من اسفل لتزيدني هلعا و بدأت اليد تجذبني لأسفل اكثر و اكثر حتي صار الضوء الساطع من حولي في كل مكان و انتهي كل شيء ، لا اهتزازات و لا صرخات و الافجع و الاهم لا سماء و لا مياه و ها هو النصل الحاد يقترب مني و يقطع و إذا بي اصرخ و الدماء من حولي في كل مكان و ذلك الألم الحارق يمزق احشائي لا يريد ان ينتهي ، و الضوء الساطع يرهقني و لا يرحم عيني ، و يزيدني ذعرا شعور الاختناق ، ثم حملتني اليد البيضاء و سمعت صوت لا بد انه صوت صاحبها يقول : مبروك جالك ولد

الاثنين، ٥ يناير ٢٠٠٩

تفاح عم فرحات


جالسا جلسته الأبدية، في ركن حارتنا، بجلبابه الأزرق، وابتسامته المحيرة،
فلا هو يرى ما يبهج ولا رأينا دليل على انه يعي، مررت به ككل يوم، نفس التوجس الذي أشعر به تجاهه منذ صغري، أشعر بعينه تنفذ لداخلي، ترى ما أداري، تعي ما أنكر، أسرعت ككل يوم لكني عدت هذه المرة ، عدت من أجل بعض التفاح.

هو عم فرحات، رجل قعيد ضرير، يبيع التفاح علي ناصية حارتنا، لا يعرف احد متى يذهب ولا يدرك أحد متى يأتي، يراه الشيوخ عند الخروج لصلاة الفجر ، و تراه الغواني عند العودة في آخر الليل، طالما كان هناك ، رآه الأجداد و يراه الأحفاد، شيء في وجهه، يخبرك أنه يعرف الكثير، تماما كما يخبرك شعره الفاحم أن الصبغة ضمن ذلك الكثير.

يمر الناس به، يبتاعون من تفاحه، يكيلون لأنفسهم و يضعون النقود في علبة من صفيح جواره، فلا تجده يحرك ساكنا، كنت اسخر منه في صغري وأعجب لما يصفه أهل الحارة ب(الرجل البركة ) على حد تعبيرهم،كان شعوري تجاهه منذ الصغر هو عدم الارتياح، فلا يوم اشتريت تفاحه ولا طاوعت أمي علي تناوله في وقت مرض أو صحة، كانت أمي ترى في تفاحه شفاء كل داء و تؤمن تمام الأيمان بقدراته العلاجية و الوقائية، سألتها يوما، ماذا يحدث لو حاول أحدهم أن يسرق منه بعض التفاح؟ فأخذت تحكي لي عن لعنات أصابت كل من حاول يوما أن يسخر منه أو يستغل عجزه ،رأت في عيني تمرد واضح، أوصتني ألا ألحق بركبهم وقالت : لم يقدر احد يوما على فرحات.

و كبرت في عالم من المفردات الفرحاتية ، فكل مصاب لعنه فرحات ، و كل بركة حلت بسببه، كنت إداري صختي رحمة بجزع أمي ، فلا أبوح به إلا لعزيز،ابن الجيران الذي صار فيما بعد زوجي.كان عزيز يقبل تمردي مداريا اعتراضه، فقد كان مثلهم ، يؤمن بقوة فرحات. كنت اشعر أن الرجل يعرف كل ذلك، و رغم عدم إيماني بأي من كلامهم إلا إنني وجدت نفسي أسرع الخطوات كلما مررت به، و اشعر بعينه الخاوية تخترقني و تملأ عقلي بفراغها و تنقل لي سخط صاحبها و وعيد غير منطوق.

شننت معركة ضده في كل بيت، معركة الخائف لا المستهين،ظاهرها معركة ابنة الحارة الطبيبة المتعلمة ضد الجهل، كان غموضه يملأني رعب، و تبجيل الناس له يعظم من خوفي منه، ربما أردت أن أبادره قبل أن تصيبني لعنته، أو ظننت أن قوته في إيمان الناس به فإذا زعزعته ، أمنت شره ،كنت أتندر بهم إذا حذروني من بطشه، و في داخلي لا أمللك إلا أن اتسائل كيف سيكون عقابه.

و مرض ابني الوحيد و شاع في الحارة ، زينب ازاها فرحات ، نصحوني بالذهاب إليه، و شراء بعض التفاح الذي طالما أبيت أن آكله، تجاهلت الجميع وذهبت بابني إلي أطباء المعمورة دون جدوى، لم اسمع منهم سوى ما أكده لي علمي و مراجعي : لم نرى حالة كحالته من قبل، حاول البعض و منهم زوجي إطعام الصغير تفاح دون علمي، اخبرني الجيران أنه كلما هموا أن يبتاعوا منه له ، لم يجدوا عنده تفاح، و كلما أرادوا أن يأخذوا له مما في بيوتهم ، اختفى تفاحهم ، و صارت أمي تولول في كل مجلس : فرحات منع تفاحه عن ابنك يا زينب، يا ويلك يا زينب

مررت به في ذلك اليوم وهو كما هو،تحدثني نفسي أن أذعن من أجل ابني و ينكر علي كبريائي خضوع عقلي لمنطق الجموع،أسرعت هاربة من أفكاري، آثرت أن أنصر الطبيبة على الأم ، لكن الأم انتصرت و عدت بعد إسراعي مبتعدة، عندما رأيته لأول مرة مادا يده و بها تفاحة ، عدت للشيخ العجوز ، منكسة المنطق، خاضعة العلم ، مددت يدي لآخذ التفاحة، فإذا بها تمر في فضاء، سمعت صوته يتردد في عقلي: فات وقت الرجوع . جرئت على ما لم يجرؤ عليه غيري، هممت أن المسه، فإذا به شبح غير ملموس ، وقبل أن تتلاشى صورته من أمامي ، رأيت وجهه يبتسم في تشفي ،ذاهبا خلف صاحبه، آخذا معه آخر أمل لأبني في الشفاء ، أطلقت صرخة هرولت في أثر الشبح ، باحثة بين الأركان على بقية من تفاح عم فرحات.